فصل: ثم دخلت سنة سـت وسبعيـن وأربعمائـة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة أربع وستين وأربعمائة

وفـي هـذه السنـة فـي رجـب توفـي القاضـي أبـو طالـب بـن عمـار قاضـي طرابلـس وكـان قد استولى عليها واستبد بأمرها فقام مكانه ابن أخيه جلال الملك أبو الحسن ابن عمار فضبـط البلـد أحسن ضبط‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة

مقتل السلطان ألب أرسلان في هذه السنة سـار السلطـان ألـب أرسلـان واسمـه محمـد إلـى مـا وراء النهـر وعقـد علـى جيحون جسراً وعبره في نيف وعشرين يوماً وعسكره يزيد على مائتي ألف فارس ولما عبر السلطـان ألـب أرسلان النهر مد سماطاً في بليدة هناك يقال لها قرير وبتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون فأحضر إليه مستحفظ ذلك الحصن ويقال له يوسف الخوارزمي مع غلامين يحفظانـه وكـان قـد ارتكـب جريمة في أمر الحصن فأمر السلطان أن تضرب له أربعة أوتاد ويشد بأطرافه إليها‏.‏

فقال له يوسف‏:‏ يا مخنث مثلي يقتل هذه القتلة فغضب السلطان وأخذ القوس والنشـاب وقـال للغلامين‏:‏ خلياه ورمام بسهم فأخطأه ولم يكن يخطئ سهمه فوثب يوسف على السلطـان بسكين كانت معه فقام السلطان عن السدة فوقع على وجهه فضربه يوسف بالسكين ثـم جـرح شخصاً آخر واقفاً على رأس السلطان يقال له سعد الدولة ثم ضرب بعض الفراشين يوسف المذكور بمزربة على رأسه فقتله ثم قطعه الأتراك فقال السلطان وهو مجروح‏:‏ لما كان أمـس صعـدت علـى تـل فارتجـت الـأرض تحتـي من عظم الجيش فقلت في نفسي‏:‏ أنا ملك الدنيا وما يقدر أحد علي فعجزني الله بأضعف خلقه وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر وكـان جـرح السلطـان فـي سادس عشر ربيع الأول وتوفي في عاشر ربيع الآخر من هذه السنة وعمره أربعون سنة وشهور وأيام وكانت مدة ملكه مذ خطب له بالسلطنة إلى أن توفي تسع سنين وستة أشهر وأياماً وأوصى بالسلطنة لابنه ملك شاه وكان في صحبته فحلف جميع العسكر لملك شاه واستقر في السلطنة‏.‏

وكان المتولي على الأمر نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان وعماد ملكشاه بالعسكر من بلـاد مـا وراء النهر إلى خراسان وأرسل إلى بغداد وإلى الأطراف فخطب له فيها على قاعدة أبيه ألب أرسلان واستمر نظام الملك على وزارته ونفوذ أمره ولما استقر ملك ملكشاه خرج عمه قاروت بك صاحب كرمان عن طاعته وسار إليه فالتقى الجمعان فانهزم عسكر قاروت بـك وأتـي بـه إلـى ملكشـاه أسيـراً فأمـر بـه فخنق وأقر كرمان على أولاده ولما انتصر ملكشاه كثرت أذية العسكر للبلاد ففوض ملكشاه الأمور إلى نظام الملك وحلف له وزاده من الإقطاعات على ما كان بيده مواضع من جملتها مدينة طوس ولقبـه ألقابـا مـن جملتهـا أتابـك وأصلهـا أطابـك أخبار المستنصر العلوي خليفة مصر وقتل ناصر الدولة‏.‏

فنقول‏:‏ كانت قد استولت والدة المستنصر العلوي خليفة مصر على الأمر فضعف أمر الدولة وصارت العبيد حزباً والأتراك حزباً وجرت بينهم حروب وكان ناصر الدولة وهو من أحفاد ناصـر الدولـة بـن حمـدان مـن أكبر قواد مصر والمشار إليه فأجمعت إليه الأتراك وجرى بينهم وبين العبيد عدة وقعات وحصر ناصر الدولة مصر وقطع الميرة عنها براً وبحراً فغلت الأسعار بها وعدم ما كان بخزائن المستنصر حتى أخرج العروض كما تقدم ذكره وعدم المتحصل بسبب انقطاع السبيل ثم استولى ناصر الدولة على مصر وانهزمت العبيد وتفرقت في البلاد واستبد ناصر الدولة بالحكم وقبض على والدة المستنصر وصادرها بخمسين ألف دينار وتفرق عن المستنصر أولاده وأهله‏.‏

وانقضت سنة أربع وستين وما قبلها بالفتن وبالغ ناصر الدولة في إهانة المستنصر حتى بقي المستنصـر يقعـد علـى حصيـرة لا يقـدر على غير ذلك‏.‏

وكان غرضه في ذلك أن يخطب للخليفة القائم العباسي ففطن بفعله قائد كبير من الأتراك اسمه الدكز فاتفق مع جماعة على قتل ناصر الدولة وقصدوه في داره فخرج ناصر الدولة إليهم مطمئناً بقوته فضربوه بسيوفهم حتى قتلوه وأخذوا رأسه ثم قتلوا فخر العرب أخا ناصر الدولة وتتبعوا جميع من بمصر من بني حمدان فقتلوهم عن آخرهم وكان قتلهم في هذه السنة أعني سنة خمس وستين وبقي الأمر بمصر مضطربـاً ولمـا كـان سنة سبع وستين وأربعمائة ولى الأمر بمصر أمير الجيوش بدر الجمالي وقتل الدكز والوزير ابن كدينة واستقامت الأمور كما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

غير ذلك فيهـا توفـي الإمـام أبـو القاسـم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري النيسابوري مصنف الرسالة وغيرها وكان فقيهاً أصولياً مفسراً كاتباً ذا فضائل جمة‏.‏

وكان له فرس قد أهدي إليه فركبه نحو عشرين سنة فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئاً ومات بعد أسبوع ومولده سنة سنـة سـت وسبعيـن وثلاثمائة وكان إماماً في علم التصوف وقرأ أصول الدين على أبي بكر بن فورك وعلى ابن إسحاق الإسفراييني وله تفسير حسن وله شعر حسن فمنه‏:‏ إذا ساعدتك الحال فارقب زوالها فما هي إلا مثـل حلبـة أشطـر وإن قصدتك الحادثات ببوسها فوسع لها ذرع التجلد واصبر وفيهـا توفـي علـي بن الحسين بن علي بن المفضل الكاتب المعرف بصردر الشاعر المشهور وكان أبوه يلقب بشحنة صردر فما بلغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل صردر ومن جيد شعره قوله‏:‏ تسائل عن ثمامات بحزوي وبأن الرمل يعلم ما عنينا فقد كشف الغطاء فمـا نبالـي أصرحنـا بذكـرك أم كنينا ألا لله طيف منك يسقى بكاسات الري زوراً ومينا مطيته طوال الليلة جفنـي فكيف شكا إليك وجـا وأينـا فأمسينـا كأنـا مـا افترقنـا وأصبحنا كأنا مـا التقينـا

  ثم دخلت سنة ست وستين وأربعمائة

وفي هذه السنة زادت دجلة وجاءت السيول حتى غرق الجانب الشرقي وبعض الغربي ودخل الماء إلى المنازل من فوق ونبع من البلاليع وغرق من الجانب الغربي مقبرة أحمد ومشهد باب التين وهلك في ذلك خلق كثير‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وستين وأربعمائة

فيها وصل بدر الجمالي إلى مصر وكان بدر متولي سواحل الشام فأرسل إليه المستنصر العلوي يشكو حاله واختلال دولته فركب البحر في قرة الشتـاء فـي زمـن لا يسلـك البحـر فيـه فمـن اللـه تعالى عليه بالسلامة ووصل بدر إلى مصر وقبض على الأمراء والقواد الذين كانوا قد تغلبوا وأخذ أموالهـم وحملهـا إلـى المستنصـر وأقـام منـار الدولة وشيد من أمرها ما كان قد درس ثم سار إلى الإسكندرية ودمياط وأصلح أمورهما ثم عاد إلى مصر وسار إلى الصعيد وقهر المفسدين وقرر قواعد البلاد وأحسن إلى الرعية فعمرت البلاد وعادت مصر وأعمالها إلى أحسن ما كانت عليه‏.‏

وفاة القائم فـي هـذه السنـة ليلـة الخميـس ثالـث عشـر شعبان توفي القائم بأمر الله عبد الله وكنيته أبو جعفر بـن القـادر أحمـد بـن الأميـر إسحـاق بـن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد أحمد وكان قد لحق القائم ماشراً فافتصد فانفجر فصاده وهو نائم وخرج منه دم كثيـر وهـو لا يشعـر ولـم يكـن عنـده أحد فاستيقظ وقد ضعف وسقطت قوته فأحضر الوزير ابن جهير والقضاة وأشهدهم أنه جعل ابن ابنه عبد الله بن ذخيرة الدين محمد بن القائم ولي عهده وتوفي القائم وعمره ست وسبعون سنة وثلاثة أشهر وأيام وكانت خلافته أربعاً وأربعين سنة وثمانيـة أشهـر وخمسـة وعشرين يوماً وقيل عمره ست وتسعون سنة وأشهر‏.‏

  خلافة المقتدي بأمر الله

وهو سابع عشرينهم لما توفي القائم بويع المقتدي بأمر الله عبد الله بن ذخيرة الدين بن القائم بالخلافـة وحضـر مؤيـد الملك بن نظام الملك والوزير بن جهير والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ ونقيب النقباء وطراد الزينبي والقاضي أبو عبد الله الدامغاني وغيرهـم مـن الأعيـان فبايعـوه بالخلافـة ولـم يكـن للقائـم ولـد ذكـر سـواء فـإن محمد بن القائم وكان يلقب ذخيرة الدين توفي فـي حيـاة أبيـه القائـم وكان لمحمد بن القائم لما توفي جارية اسمها أرجوان فلما توفي محمد ورأت أرجوان ما نال القائم من المصيبة بانقطاع نسله ذكرت أنها حامل من محمد ابنه فولدت عبد الله المقتدي إلى ستة أشهر من موت محمد فاشتد فرح القائم به وعظم سـروره فلمـا بلـغ المقتدي الحلم جعله القائم ولي عهده‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفيها جمع ملكشاه ونظام الملك جماعة من المنجمين وجعلوا النيروز عند نـزول الشمـس أول الحمـل‏.‏

وكـان النيروز قبل ذلك عند نزول الشمس نصف الحوت‏.‏

وفيها عمل السلطان ملكشاه الرصـد واجتمـع فـي عملـه جماعـة مـن الفضـلاء منهـم عمـر الخيـام وأبـو المظفـر الإسفرائيني وميمون بن النجيب الواسطي وأخـرج عليـه مـن الأمـوال جمـلاً عظيمـة وبقـي الرصـد دائـراً إلـى أن مـات السلطان سنة خمس وثمانين وأربعمائة فبطل‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وستين وأربعمائة

فها ملك أتسز دمشق‏.‏

كنا قد ذكرنا سنة إحدى وستين ملك أتسز الرملة وحصاره دمشـق ثـم رحـل عنهـا وعاودهـم فـي أيـام إدراك الغلـات حتى ضعف عسكر دمشق وتسلمها أتسز في هذه السنة وقطع الخطبة العلوية فلم يخطب بعدهـا فـي دمشـق لهـم وأقـام الخطبـة العباسيـة يـوم جمعة لست بقين من ذي القعدة من هذه السنة وخطب للمقتدي بأمر الله ومنع من الأذان بحي على خير العمل‏.‏

ذكر غير ذلك وفي هذه السنة توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه الواحدي المفسر مصنف الوسيط والبسيط والوجيز في التفسير وهو نيسابوري ويقال له المتوي نسبة إلى جده متويه والواحدي نسبة إلى الواحـد بـن ميسـرة وكـان أستـاذ عصـره فـي النحـو والتفسيـر وشـرح ديـوان المتنبـي وليـس فـي الشـروح مثلـه جـودة وكـان الواحـدي تلميـذ الثعلبـي وتوفـي الواحـدي بعـد مـرض طويـل فـي هذه السنة بنيسابور‏.‏

وفيها توفي الشريف الهاشمي العباس أبو جعفر مسعود بن عبـد العزيـز المعـروف بالبياضـي الشاعر وله أشعار حسنة فمنها‏:‏ كيف يذوي عشب أشوا - قي ولي طرف مطير إن يكـن فـي العشـق حـر فأنـا العبـد الأسيـر أو علـى الحسن زكاة فأنا ذاك الفقير ومنها‏:‏ يا من لبست لبعده ثوب الضنا حتـى خفيـت به عن العواد وأنست بالسهر الطويل فأنسيت أجفان عيني كيف كان رقادي إن كان يوسف بالجمال مقطع الأيدي فأنت مفتت الأكباد وقيل له البياضي لأن بعض أجداده كان مع جماعة من بني العباس وكلهم قد لبسوا أسود غيره فسأل الخليفة عنه وقال من ذلك البياضي فبقي عليه لقباً‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وستين وأربعمائة

فيها سار أتسز المتولي على دمشق إلي مصر وعاد مهزوماً إلى الشام‏.‏

قيل كانت هزيمته لقتال جرى بين الفريقين وقيل بل انهزم بغير قتال وهلك جماعة من أصحابه‏.‏

وفـي هـذه السنـة أورد ابـن الأثير موت محمود بن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي صاحـب حلـب أقـول‏:‏ لكني وجدت في تاريخ حلب تأليف كمال الدين المعروف بابن العديم أن محمـوداً المذكـور مـرض فـي سنـة شـع وستيـن وأربعمائـة وحـدث به قروح في المعى مات بها ولحقه فـي أواخـر عمـره مـن البخـل مـا لا يوصـف ولمـا مات في السنة المذكورة ملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابين فمدحه ابن جيوش بقصدية منها‏:‏ ثمانيـة لـم تفترق مذ جمعتها فلا افترقت ما افتر عن ناظرٍ شفر ضميرك والتقوى وجودك والغنى ولفظك والمعنى وعزمك والنصر وكـان لمحمـود بـن نصـر سجيـة وغالب ظني أن سيخلفها نصر وكان عطية بن جيوش على محمود إذا مدحه ألف دينار فأعطاه نصر ألف دينـار مثـل مـا كان يعطيه أبوه محمود وقال‏:‏ لو قال‏:‏ وغالب ظني أن سيضعفها نصر لأضعفتها له وكان نصر يدمن شرب الخمر فحمله السكر على أن خرج إلـى التركمـان الذيـن ملكـوا أبـاه حلـب وهـم بالحاضر وأراد قتالهم فضربه واحد منهم بسهم نشاب فقتله ولما قتل نصر ملك حلب أخوه سابـق بـن محمـود ولـم يذكـر ابـن الأثيـر تاريـخ قتـل نصـر متـى كان‏.‏

ثم إني وجدت في تاريخ حلب تأليـف كمـال الديـن المعروف بابن العديم تاريخ قتل نصر المذكور قال‏:‏ وفي يوم عيد الفطر سنة ثمـان وستيـن وأربعمائـة عيّـد نصـر بـن محمـود وهـو فـي أحسـن زي وكـان الزمان ربيعاً واحتفل الناس في عيدهم وتجملوا بأفخر ملابسهم ودخل عليه ابن جيوش فأنشده قصيدة منها‏:‏ صفت نعمتان خصتاك وعمتا حديثهما حتى القيامة يؤثر فجلى نصر فشرب إلى العصر وحمله السكر على الخروج إلى الأتراك وسكناهم في الحاضر وأراد أن ينهبهم وحمل عليهم فرماه تركي بسهم في حلقه فقتله وكان قتله يوم الأحد مستهل شوال سنة ثمان وستين وأربعمائة ولما قتل نصر ملك حلب بعده أخوه سابق ابن محمود‏.‏

وفيهـا توفـي طاهـر بـن أحمـد بـن بـاب شـاذ النحـوي المصـري توفـي بـأن سقـط مـن سطـح جامـع عمرو بن العاص بمصر فمات لوقته‏.‏

  ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة

فيها توفي عبد الرحيم بن محمد بن إسحاق الأصفهاني الحافظ له مؤلفات تصانيف كثيرة منها‏:‏ تاريخ أصفهان وله طائفة ينتمون إليه في الاعتقاد من أهل أصفهان يقال لهم العبد رحمانية‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

استيلاء تنش على دمشق في هذه السنة ملك تاج الدولة تنش بن السلطان ألب أرسلان دمشق وسببه أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام وما يفتحه فسار تاج الدولة تنش إلـى حلـب وكـان قـد أرسـل بـدر الجمالـي أميـر الجيـوش بمصـر عسكـراً إلـى حصار أتسز بدمشق فأرسل أتسز يستنجد تنش وهو نازل على حلب يحاصرها فسار تنش إلى دمشق فلما قرب منها رحل عنها عسكر مصر كالمنهزمين فلما وصل إلى دمشق ركب أتسز لملتقاه بالقرب من المدينة فأنكر تنش عليه تأخره عن الطلوع إلى لقائه وقبض على أتسز وقتله وملك تنش دمشق وأحسن السيرة‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

فيها غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة بلاد الهند فأوغل فيها وفتح وغنم وعاد إلى غزنة سالماً‏.‏

ملك مسلم بن قريش مدينة حلب فـي هـذه السنـة سار شرف الدولة بن قريش بن بدران بن المقلد بن السميب صاحب الموصل إلـى حلـب فحصرهـا فسلـم البلـد إليـه في سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة واستنزل منها سابقاً ووثاباً ابني محمود بن نصر بن صالح بن مرداس وتسلم القلعة‏.‏

ذكر غير ذلك وفيها توفي نصر بن أحمد بن مروان صاحب ديار بكر وملك بعده ابنه سور بن نصر ودبر دولتـه ابـن الأنبـاري‏.‏

وفيهـا توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن جيوش‏.‏

الشاعر المشهور وقد تقدم ذكر مديحه لنصر بن محمود صاحب حلب‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

ودخلت سنة أربع وسبعين وأربعمائة فيها كانت فتنة ببغـداد بيـن الشافعيـة والحنابلـة‏.‏ وفيهـا أرسـل الخليفـة المقتـدي الشيـخ أبا إسحاق الشيرازي رسولاً إلى السلطان ملكشاه وإلى نظام الملك فسار من بغداد إلى خراسان ليشكو من عميد العراق أبي الفتح بن أبي الليث فأكرم السلطان ونظام الملك الشيخ أبا إسحاق وجرى بينه وبين إمام الحرمين أبي المعالي الجوبني مناظرة بحضرة نظام الملك وعاد بالإجابة إلى ما التمسه الخليفة ورفعت يد العميد عن جميع ما يتعلق بحواشي الخليفة‏.‏

وفيها توفي أبو نصر علي بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن ماكولا مصنف كتاب الإكمال ومولده سنة عشرين وأربعمائة قتله مماليكه الأتراك بكرمان‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وسبعيـن وأربعمائـة

فيهـا فـي جمـادى الآخـرة توفـي الشيـخ أبـو إسحـاق إبراهيـم ابن علي الشيرازي الفيروز أبادي وفيررز أباد بلدة بفارس ويقال هي مدينة جـون‏.‏

وكـان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وقيل سنة ست وتسعين وكان أوحد عصره علماً وزهداً وعبادة ولد بفيروز أباد ونشأ بها ودخل شيراز وقرأ بها الفقه ثم قدم إلى البصرة ثم إلى بغـداد فـي سنـة خمـس عشرة وأربعمائة وكان إمام وقته في المذهب والخلاف والأصول وصنف المهـذب والتنبيـه والتلخيـص والنكـت والتبصير واللمع ورؤوس المسائل‏.‏

وكان فصيحاً وله نظم حسن فمنه‏:‏ سألـت النـاس عـن خـل وفي فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسك إن ظفرت بود حر فإن الحر في الدنيا قليل وله‏:‏ جـاء الربيـع وحسن وردة ومضى الشتاء وقبح برده فاشرب على وجه الحبي - ب ووجنتيه وحسن خده وكان مستجاب الدعوة مطرح التكلف ولما توجه إلى خراسان في رسالة الخليفة قال‏:‏ مـا دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان خطيبها وقاضيها تلميذي ومن جملة أصحابي‏.‏

وفيها توفي أبو الحجـاج بـن يوسـف بـن سليمـان الأعلم الشنتمري رحل إلى قرطبة واشتغل بها‏.‏

وكان إماماً في العربية والأدب وشرح الحماسة ونسبته إلى شنتمرية مدينة بالأندلس‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فيها سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك وقيل أكسب والأول أصح جد الملوك الأرتقية فانهزم شرف الدولة مسلم وانحصر في آمد ونزل الأمير أرتق على آمد فحصره فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكنه من الخروج من آمد فأذن له أرتق وخرج شرف الدولة من آمد في حـادي عشريـن ربيـع الـأول مـن هـذه السنـة فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به ثم سير السلطـان عميـد الدولة بن فخر الدولة بن جهير بعسكر كثيف وسير معه أقسنقر قسيم الدولة إلـى الموصل فاستولى عليها عميد الدولة وهذا أقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى سلطان فقدم شرف الدولة إليه وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيح وكان قد ذهبت أمواله فاقترض شرف الدولة مسلـم مـا خـدم بـه السلطـان وقـدم إليـه خيـلاً مـن جملتهـا فرسـه التـي نجا عليه في المعركة‏.‏

المشهور وكان اسم الفرس بشاراً وكان سابقاً وسابق به السلطان الخيل فجاء سابقاً فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب فرضي السلطان على مسلم وخلع عليه وأقره على بلاده‏.‏

  فتح سلمان بن قطلومش أنطاكية

في هذه السنة سار سلمان بن قطلومش السلجوقي صاحب قونية وأقصرا وغيرهما من بلاد الروم فملك مدينة أنطاكية بمخامرة الحاكم فيها من جهة النصارى وكانت أنطاكية بيد الروم من قتل شرف الدولة مسلم وملك أخيه إبراهيم لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية وأرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحلب يطلب منه ما كان يحمله إليـه أهـل أنطاكيـة فأنكـر سليمـان ذلـك وقـال‏:‏ إن صاحـب أنطاكية كان نصرانياً فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية ولم يعطه شيئاً فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف أعمال أنطاكية فانهزم عسكر مسلم وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلـب وقـد قدمنا ذكر مقتله لتتبع الحادثة بعضها بعضاً وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب أحول واتسع ملك مسلم بن قريش المذكور وزاد ملك من تقدمه مـن أهـل بيته فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج وديار ربيعة ومضر من الجزيرة وحلب وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل وغيرهم وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة بالأمر والعدل ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه وملكوه وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج‏.‏

وفـي هـذه السنـة ولـد لملكشاه ولد بسنجار فسماه أحمد ثم غلب عليه اسم سنجر لكونه ولد بسنجار وهو السلطان سنجر على ما تجيء أخباره كذا نقله المؤرخون والذي يغلب على وفيها توفي أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد الصباغ الفقيه الشافعي صاحب الشامل والكامل وكفاية المسائل وغيرها من التصانيف بعد أن أضر عدة سنين ومولده سنـة أربعمائة والقاضي أبو عبد الله الحسين بن علي البغدادي المعروف بابن القفال وهو من شيوخ أصحاب الشافعي وكان إليه القضاء بباب الأزج‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

فيها ملك الفرنج طليطلة من الأندلس بعد أن حاصرها الأدفونـش سبـع سنين وكان سبب ذلك تفرق ممالك الأندلس على ما تقدم ذكره في سنة سبع وأربعمائة‏.‏

وفـي هـذه السنـة استولـى فخـر الدولـة بن جهير على آمد ثم على ميافارقين ثم على جزيرة ابن عمر وهي بلاد بني مروان وأخذها من منصور بن نصر بن مروان وهو آخر من ملك منهم وانقرضت بأخذ الجزيرة منه مملكة بني مروان فسبحان من لا يزول ملكه‏.‏

وفيها سار أمير الجيوش بدر الجمالي بجيوش مصـر فحصـر دمشـق وبهـا تـاج الدولـة تنـش وضيق عليه فلم يظفر بشيء فارتحل عائداً إلى مصر‏.‏

وفيهـا فـي ربيـع الآخـر توفـي إمـام الحرميـن أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف الجويني ومولده في الكامل سنة عشرة وأربعمائة وفي تاريخ ابن أبي الدم أن مولده سنة تسع عشرة وأربعمائة وهو إمام العلماء في وقته وله عدة مصنفات منها‏:‏ نهاية المطلب في دراية المذهب سافر إلى بغداد ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف وأم بالنـاس فـي الحرميـن الشريفيـن فسمـي لذلـك إمـام الحرميـن ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة ومجلس الذكر والتدريس وبقي على ذلـك ثلاثيـن سنـة وحظـي عنـد نظـام الملـك ولـه عـدة تلاميذ من الفضلاء كالغزالي وأبي القاسم الأنصاري وأبي الحسن علي الطبري وهو المعروف بالكيا الهراس وكان إمام الحرمين قد ادعى الاجتهاد المطلق لأن أركانه كانت حاصلة له ثم عاد إلى اللائق وتقليد الإمام الشافعي لعلمه أن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

قتل سليمان بن قطلومش لمـا قتـل سليمـان مسلـم بـن قريش في سنة ثمان وسبعين على ما ذكرناه في سنة سبع وسبعين أرسـل سليمـان إلـى ابـن الحبيبي العباسي مقدم أهل حلب يطلب تسليم حلب فاستمهله إلى أن يكاتـب السلطان ملكشاه وأرسل ابن الحبيبي استدعى تنش صاحب دمشق بن السلطان ألب أرسلان أخا السلطان ملكشاه فسار تنش إلى حلب وكان مع تنش أرتق بن أكسك وقد فارق خدمة ملكشاه خوفاً من إطلاق مسلم بن قريش من آمد على ما قدمنا ذكره وجرت الحرب بين تنش وابن سليمان بن قطلومش فانهزم عسكر سليمان وثبت سليمـان فقيـل إن سليمان انهزم عسكره أخرج سكيناً وقتل نفسه وقيل بل قتل في المعركة وكان سليمان قد أرسل جثة مسلم بن قريش على بغل ملفوفة في إزار إلى حلب ليسلموها إليه في السنة الماضيـة فـي سـادس صفـر فأرسـل تنـش جثـة سليمـان فـي هـذه السنـة فـي سـادس صفـر ملفوفـة في إزار إلى حلب ليسلموها إليه فأجابه ابن الحبيبي بالمماطلة إلى أن يرد مرسوم ملكشاه في أمر حلب بما يراه فحاصر تنش حلب وضيق على أهلها وملكها فاستجار ابن الحبيبي بالأمير أرتـق بـن أكسـك فأجـاره وأمـا قلعة حلب فكان بها منذ قتل مسلم بن قريش سالم بن مالك بن بـدارن بـن المقلد بن المسيب العقيلي وهو ابن عم شرف الدولة مسلم بن قريش فحاصر تنش سبعة عشر يوماً فبلغه وصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه‏.‏

وصول السلطان ملكشاه إلى حلب كان ابن الحبيبي قد كاتب السلطان في أمر حلب فسار إليها من أصفهان في جمادى الآخرة فملـك فـي طريقـه حـرّان وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وسار إلى الرها وهي بيد الروم من حين اشتروها من ابن عطير كما قدمنا ذكره فحصرها وملكها وسار إلى قلعة جعبر واسمها الدوسرية ثم عرفت بقلعة جعبر لطول مدة ملك جعبر لها وبها صاحبها سابق الدين جعبر القشير المذكور وهو شيخ أعمى فأمسكه وأمسك ولديـه وكانـا يقطعـان الطريـق ويخيفان السبيل ثم صار إلى منبج فملكها وسار إلى حلب فلما قاربها رحل أخوه تنش عن حلـب علـى البريـة وتوجه إلى دمشق ووصل السلطان إلى حلب وتسلمها وتسلم القلعة من سالم بـن مالك بن بدران العقيلي على أن يعوضه بقلعة جعبر فسلم السلطان إليه قلعة جعبر فبقيت بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما نزل السلطان ملكشاه بحلب أرسل إليه الأمير نصر بن علي بـن منقـذ الكنانـي صاحـب شيزر ودخل في طاعته وسلم إليه اللاذقية وكفر طاب وأفامية فأجابه السلطان إلى المسالمة وترك قصده وأقر عليه شيزر ولما ملك السلطان ملكشاه حلـب سلمهـا إلـى قسيـم الدولة أقسنقر ثم ارتحل السلطان إلى بغداد على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث وفـي هـذه السنـة فـي ربيـع الـأول توفي بهاء الدولة أبو كامل منصور بن دبيس بن علي بن مرثد الأسدي صاحب الحلة والنيل‏.‏

وغيرهما وكان فاضلاً وله شعر جيد‏.‏

واستقر مكانه ولده صدقة ولقب سيف الدولة‏.‏

وانقراض دولة الصنهاجية منها‏:‏ في هذه السنة عدّى البحر يوسف بن تاشفين أمير المسلمين من سبتة إلى الجزيرة الخضراء بسبب استيلاء الفرنج على بلاد الأندلس واجتمع إليه أهل الأندلس مثل المعتمـد بـن عبـاد وغيـره من ملوك الأندلس وجرى بينهم وبين الأدفونش قتال شديد نصر الله فيه المسلمين وانهزم الفرنج وقتل منهـم مـا لا يحصـى حتـى جمعـوا مـن رؤوسهـم تـلاً وأذنـوا عليـه وملـك يوسـف غرناطـة وأخذها من صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس بن حبوس بن مالس بن بلكين بن زبري الصنهاجي‏.‏

من تاريخ القيروان قال‏:‏ وأول من حكم من الصناهجة في غرناطة راوي بن بلكين ثم تركها وعـاد إلـى إفريقيـة في سنة عشر وأربعمائة فملك غرناطة ابن أخيه حبوس بن مالس بن بلكين وبقـي بهـا حتـى توفـي فـي سنـة تسـع وعشرين وأربعمائة وولي بعده ابنه باديس بن حبوس وبقي حتى توفي وولي بعده ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حبوس ودام فيها حتى أخذها منه يوسف بن تاشفين في هذه السنة‏.‏

وذكر صاحب تاريخ القيروان أن أخذ يوسف غرناطة كان في سنة ثمانين وأربعمائة‏.‏

ولنرجـع إلـى ذكـر ابـن تاشفيـن‏.‏

ثـم إن يوسـف بـن تاشفيـن عبـر البحـر إلـى سبتـة وأخـذ معـه عبـد اللـه صاحب غرناطة المذكور وأخاه تميماً إلى مراكش فكانت غرناطـة أول مـا ملكـه يوسـف بـن تاشفيـن مـن الأندلـس‏.‏

وفيهـا سـار ملكشـاه عـن حلـب ودخـل بغـداد فـي ذي الحجـة وهو أول قدومه إلـى بغـداد ثـم خـرج إلـى الصيـد فصـاد مـن الوحـوش شيئـاً كثيـراً ثـم عـاد إلـى بغداد واجتمع بالخليفة المقتـدي وأقـام ببغـداد إلـى صفـر مـن سنـة ثمانين وعاد إلى أصفهان‏.‏

وفيها أقطع السلطان ملكشاه محمـد بـن شـرف الدولـة مسلـم بـن قريـش مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور وزوجه بأخته زليخا بنت ألب أرسلان‏.‏

وفيها كانت زلازل عظيمة حتى فـارق النـاس ديارهـم وفيهـا توفـي الشريـف أبـو نصـر الزيني العباسي نقيب الهاشميين وهو محدث مشهور على الإسناد‏.‏